الابتكار في المؤسسات: سد فجوة الطموح والقدرات
في عالم تعتبر فيه 83% من الشركات أن الابتكار هو أولوية قصوى، إلا أن 3% فقط من هذه الشركات تشعر بأنها مستعدة بشكل كافٍ لتنفيذ استراتيجياتها الابتكارية. يُظهر هذا وجود فجوة واضحة بين الطموح والقدرات، مما يفرض على المؤسسات ضرورة تطوير نهج أكثر دقة في التخطيط والتنفيذ لضمان الابتكار الناجح. من خلال ندوة متخصصة، نُظمت لمناقشة هذا الموضوع، تم استعراض أهم الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد المؤسسات على سد هذه الفجوة وتحقيق أهدافها. دعونا نستعرض أهم الأفكار التي تم مناقشتها في هذه الندوة.
1. قوة وجود استراتيجية ابتكار واضحة
يعد وجود استراتيجية واضحة للابتكار أمراً ضرورياً لضمان النجاح. من دون استراتيجية، يُشبه الابتكار الإبحار دون بوصلة؛ حيث تكون المؤسسة عرضة للتشتت وتضيع الجهود دون تحقيق نتائج ملموسة. أوضحت النقاشات في الندوة أن استراتيجية الابتكار الفعالة تعتمد على شقين متكاملين:
الاستكشاف: يشمل تجربة واختبار أفكار جديدة وتطوير نماذج عمل أو استكشاف أسواق جديدة. يعتبر هذا الجانب جوهر الابتكار، حيث يتم استثمار الجهود لتحديد مسارات جديدة للتوسع والنمو.
الاستغلال: يركز على إدارة وتحسين العمليات الحالية لتحقيق الكفاءة وزيادة الإنتاجية. يتمثل هذا الجانب في تعظيم الفائدة من الأصول الحالية وتطويرها بما يضمن استدامة الابتكار وتحديث الأعمال بشكل مستمر.
يحتاج كل عمل تجاري، سواء كان ناشئاً أو مؤسسة كبيرة، إلى تحقيق توازن بين هذين الجانبين لضمان الاستمرار في السوق. تُظهر الدراسات أن المؤسسات التي تتبنى استراتيجيات متوازنة بين الاستكشاف والاستغلال تكون أكثر قدرة على الابتكار المستدام وتحقيق النجاح على المدى الطويل.
2. اختبار فعالية الاستراتيجية
من المهم اختبار فعالية استراتيجية الابتكار لضمان قدرتها على تحقيق النتائج المطلوبة. أحد الاختبارات المعروفة التي تم طرحها في الندوة هو ما يعرف بـ "اختبار الرائحة"، والذي يُعرّف كالتالي: إذا كان بإمكانك اتخاذ القرار المعاكس دون أن يبدو غريباً أو غير منطقي، فإن الاستراتيجية ليست واضحة أو قوية بما يكفي. على سبيل المثال، القول "نريد أن نقدم أفضل جودة في العالم" ليس استراتيجية قوية، لأن الجميع يسعى لنفس الهدف.
لذلك، من الضروري أن تتماشى أنشطة الابتكار مع استراتيجية المؤسسة العامة، بحيث تعكس كل مبادرة وكل استثمار الأهداف الشاملة للمؤسسة. من الجيد تنظيم ورش عمل لقادة المؤسسة لتحديد استراتيجية واضحة للابتكار، ما يساعد في توحيد الرؤية وتوزيع المسؤوليات بشكل فعال.
3. تجاوز الحواجز التي تعيق الابتكار
رغم وجود استراتيجية واضحة، تظل هناك تحديات تعترض طريق التنفيذ. فيما يلي أبرز الحواجز التي يمكن أن تواجه المؤسسات وكيفية التغلب عليها:
مشكلة المبتكر الفردي: في كثير من الأحيان، لا يعرف الموظفون الذين لديهم أفكار مبتكرة من أين يبدأون. وهذا يؤدي إلى شعورهم بالإحباط وفقدان الحماس. يمكن للمؤسسات معالجة هذه المشكلة من خلال توفير عملية شفافة لتقديم الأفكار وتقييمها، وإتاحة دعم مخصص لتحفيز المبتكرين داخل المؤسسة.
عدم وضوح اتخاذ القرار: عندما تكون آليات اتخاذ القرار غير واضحة، ينتج عن ذلك تأخير في تنفيذ الأفكار وزيادة حالة الغموض داخل المؤسسة. لضمان سرعة وفعالية الابتكار، يجب تحديد آليات اتخاذ القرار بشكل واضح وتوثيقها ونشرها بين الموظفين.
نقص الموارد: يعد نقص الموارد أحد العوائق الرئيسية أمام الابتكار. يتطلب الابتكار تخصيص وقت وميزانية كافية، وقد يؤدي عدم تخصيص الموارد المناسبة إلى تعطيل المشاريع الابتكارية. يمكن تخصيص صناديق تمويل لمشاريع الابتكار وحماية وقت الموظفين لضمان استمرار المبادرات الجديدة.
4. تخصيص الوقت والجهد للابتكار
إن الوقت هو أحد الموارد الأكثر ندرة وأهمية في جهود الابتكار. كما قالت ريتا مكغراث في الندوة: "يمكنني أن أخبرك بمدى أهمية الابتكار عبر النظر إلى جدول أعمالك". إذا كان الوقت المخصص للابتكار غير كافٍ، فمن الصعب تحقيق تقدم حقيقي. إليك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة هذه المشكلة:
تخفيف الضغط على الموارد المالية: كثيراً ما يتردد القادة في الاستثمار في الابتكار بسبب تأثيره السلبي على مقاييس الربحية القصيرة الأجل. يمكن حل هذه المشكلة بالتعاون مع قسم الشؤون المالية لاستبعاد تكاليف الابتكار من حسابات الأداء قصيرة الأجل، مما يسمح باتخاذ قرارات استراتيجية تُركز على المدى الطويل.
تخصيص موارد مؤقتة: غالباً ما تتنافس مشاريع الابتكار مع الوظائف اليومية للموظفين، مما يؤدي إلى إهمال جهود الابتكار أو الشعور بالإرهاق. يمكن تخصيص موارد مؤقتة لدعم الفرق أثناء عملها على المشاريع الابتكارية.
إنشاء فرق مخصصة للابتكار: التعامل مع الابتكار كـ "وظيفة جانبية" يحد من نتائجه. يجب تكوين فرق مخصصة تمتلك الأدوات والأساليب المناسبة لإدارة المشاريع من البداية إلى النهاية، مما يضمن الاستمرارية وتحقيق النتائج المطلوبة.
5. تطبيقات عملية ونصائح للمؤسسات
يمكن لأي مؤسسة تحقيق الابتكار من خلال اتباع بعض الاستراتيجيات العملية مثل:
دراسة التقاويم والجدولة: من الجيد فحص جداول العمل لتحديد مدى الوقت الذي يُخصص فعلاً للابتكار.
دعم فرق الابتكار: توفير الدعم والتدريب المناسب للفرق التي تعمل على مشاريع الابتكار، بما يشمل ورش العمل ومصادر التعلم الحديثة.
نحو سد الفجوة بين الطموح والقدرات
لا يكفي الطموح وحده لتحقيق الابتكار؛ بل يتطلب الأمر استراتيجيات واضحة، ودعم الموارد، وتجاوز العقبات التي قد تعيق التقدم. يمكن لكل مؤسسة، بغض النظر عن حجمها، البدء بتقييم وضعها الحالي والبحث عن أساليب جديدة لتعزيز الابتكار. باتباع المبادئ المذكورة، يمكن أن تحقق المؤسسات في المملكة العربية السعودية وخارجها تقدمًا ملموسًا في رحلتها نحو الابتكار.